رواية “إخوتنا الغرباء”: تساؤلات “وجودية” قد تُثير الرعب
تتركُ رواية “إخوتنا الغرباء” للكاتب والأديب اللبناني أمين معلوف -ترجمة نهلة غندور، إصدار دار الفارابي- تساؤلات وجودية كثيرة. بعد قراءة الرواية، يفكّر القارئ مراراً كيف ستبدو حياته إن خلت من وسائل الاتصال، الأمر الذي قد يبدو للبعض مرعباً أو في غاية الصعوبة، كون هذه الوسائل جُبلت بنمط حياتنا وتفاصيل عيشنا.
الأحداث والأبطال:
تدور أحداث الرواية حول رسّام يُدعى “ألكسندر” وهو في العقد الثالث من عمره، اختار جزيرة أنطاكيا للعيش فيها وحيداً مستمتعاً بعزلته، الأمر الذي أثار دهشة أصدقائه الذين توقّعوا أنّه لن يتمكن من العيش فيها أكثر من بضعة أسابيع، كما أن ألكسندر نفسه لم يتوقع كيف ستذهب به الأحداث عندما سلك مسار وحدته بملء إرادته، بعيداً عن إيقاع الحياة اليومية المعتادة. وبعد حين، يُفاجأ ألكسندر بجارةٍ له تُدعى إيف، تنتقل للعيش على الجزيرة؛ هي روائية توّاقة للوحدة أيضاً، وقد حقّقت مؤخراً نجاحاً كبيراً بعد إصدار روايتها.
تتميّز شخصيات الأبطال، “إيف” و”ألكسندر”، بأنّهما شخصيتان مثيرتان، فكلاهما حريصان على المحافظة على عزلتيهما ولا يخرجان منها إلا بعد حدوث العقدة المتمثلة بعطلٍ غامض يصيب قنوات التواصل والاتصال داخل الجزيرة.
بنية روائية متكاملة:
“هل استطعتِ أن تعلمي شيئاً؟ حسب مذياعي يبدو أنه وز وز وز.. راحت تقلّد الصفير المتميّز، فابتسمت مرة أخرى في نهاية المطاف”.
هكذا يتميّز النص الروائي في “إخوتنا الغرباء”، بتماسك عناصر الوصف والسرد والحوار، وذلك من خلال الثقل الموحّد عبر إعطاء كل عنصر حقّه بما لا يقل أهمية عن العنصر الآخر، فلا يخرج القارئ عن دوامة الترقب.
في الجزء الأول من الرواية، تأخذ الأحداث منحى “البطء” لكن سرعان ما تتوالى الأحداث بوتيرةٍ أسرع في الجزئين اللاحقين منه. أما الوصف، فيخلق بدوره تفاعلاً بين القارئ والنص الروائي، بينما يثير الحوار الحياة في أبطال الرواية، ويمنح كل شخصية حقها في تبيان معالمها وإظهار سماتها، فتنقذ هذه العناصر بتكاملها المتلقّي من الوقوع في الملل، وينتج عنها تفاصيل محددة حيث يكمن الأدب الروائي.
أما طابع الرواية فليس بتاريخي بحت، إذ يبتعد غالبية القراء عن الروايات والقصص ذات البعد التاريخي والتوثيقي، لكن “إخوتنا الغرباء” تتّسم بالتنوع من خلال استخدام البعد العاطفي والوجداني، إلى جانب البعد التاريخي.
العقدة:
تنقسم الرواية إلى أربع مفكرات (غشاوات- انجلاءات- سفن دراسية- واستتارات). تبدأ العقدة نهار الأربعاء في 10 تشرين الثاني، مع حدوث عطل مفاجئ في الكهرباء والهاتف واشتراك الانترنت، بالإضافة إلى توقف الإرسال الإذاعي واختلال الأجهزة الكهربائية، فيجد ألكسندر نفسه بمواجهةٍ لوضعٍ غير معهود سابقاً. يزعم “ألك” أن العطل سببه حرباً نووية، ليفاجأ بـ”إخوة غرباء” غير متوقّعين، فيحاول فكّ اللغز مستعينًا بأحد أصدقائه الذي يعمل كمستشار لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
ليس بجديد على الأديب “أمين معلوف” معالجة التحولات الحضارية حول العالم، فيسلط أضواءه في “إخوتنا الغرباء” على بعض الحقبات التاريخية وعلاقتها بالأحداث التي مرّت بها أثناء إقامته على الجزيرة التي يسكنها؛ يحكي عن الاضطرابات وفترات الانحطاط التي شهدتها بعض الشعوب في العالم، فيقول عن هذه المعضلة: “لقد اختلطت جميع أوراق التاريخ الكوني وسيُعاد بالضرورة توزيعها، لكن الأوراق لن تُوزّع بالطريقة نفسها تبعاً لما سيختاره الأوصياء علينا”. ويضيف: “ماذا يحتاج الإنسان حقاً؟ فإذا كان يتمتّع بموفور الصحة وبِوَصلة موثوقة بشبكة الانترنت، فلا تكتسب بقية الأمور أهمية”.
بعضٌ من تساؤلات الراوي ربما تثير الرعب من حولنا، وخصوصاً اليوم، بعد أن تملّكتنا وسائل التواصل والاتصال. كيف ستكون حياتنا بلا تواصل وبلا انترنت وبلا سرعة ورقمنة؟، ليبقى تساؤل القارئ عندها: “هل ستسلك الحياة مجرى اعتيادي، أم أننا لن ننجو بمفردنا أمام غيابها أو عطلها؟”.
فاطمة جوني